Thursday, November 17, 2016

ولدت هناك، ولدت هناولدت هناك، ولدت هنا by Mourid Barghouti - مريد البرغوثي


"الطريق يزداد وعورة..
أكتافنا تتلامس مع كل اهتزاز .. "


رواية نثرية أخرى ، تأخذني بعيدا في عمق الوجع الفلسطيني واحلامه .. بين تاريخه وانطباعات انسانية .. وأحلام تحكمت في مسارها ادارتها السياسات والمصالح العالمية .. تسرق الرواية جزءا من خيالك لتقيم لنفسها كيانا ضمن جدران ذاكراتك التي تختزن كل شيء .. مقتطفات من أخبار سمعتها يوما .. او مشاهد عبرت أماك في نشرة الأخبار لم تلق لها بالا في انتظار المسلسل المكسيكي المترجم ..
يسرد السيد مريد رحلته مع ابنه تميم الى الأرض الفلسطينية .. للحصول على حقه في الهوية الفلسطينية .. ونعبر معه لا الحدود الجغرافية فقط .. ولا معابر الاحتلال ونقاط التفتيش .. ولا الصور المختلفة التي تنطبع في حقيقتك كوجود تستطيع ان تتلمسه بيديك.. بل كل الحدود التي بنيت داخله .. كل ما أثار داخله المشاعر الانسانية القوية والواهية .. استحضاره للذاكرة .. او محاولته لملئ تجاويفها التي تسقط من الذاكرة بعنف .. او بصمت .. او التي تتلاشى وفقط ..

هل أوجعك القلق يوما ؟ "
"الخيال لا يلغيه أي واقع. فالواقع الذي يباغتنا سرعان ما يستولد في البال خيالا آخر. وأكاد أسأل هل هناك ((حقيقة)) خارج ((الخيال)) الإنساني؟ وتحيرني الإجابة. "
"ألا يبدو قلقي سخيفا ومخجلا اذا ما قورن بعذابات شعبي المزمنة؟
.....
أريد أن اتعامل مع مشاعري القليلة الشأن التي لا يسمع عنها العالم أبدا، أريد أن اؤرخ لحقي في القلق العابر والحزن البسيط والشهوات الصغيرة والأحاسيس التي تومض في القلب لمحا ثم تختفي. أنا لا أقول إن قلقي مبرر ولا أعتذر عنه. إنه قلقي وكفى. أنا أتحث عنه كما هو. لا أريد شيئا من أحد. لا أستغيث ولا أريد عونا ولا تعاطفا بل أريد أن أتحسس داخلي لأعرفه وأصغي لصوت نفسي فأسمعه وأريد أن أورخ لما لن يؤرخه أحد نيابة عني. أريد أن أنقش أصغر مشاعري بإزميل على حجر بجوار الطريق... "
"

صفحات الكتاب مرآة لانسانية الشاعر التي عرّيت انسانيته بشدة على مراحل مختلفة .. ولأسباب مختلفة .. فتستطيع ان ترسى المسميات كال " الغضب" .. وال " الحب" .. وال"الحنين" .. مرسومة واضحة لا شيء يسترها .. سوى .. احيانا .. جرائد قديمة وعناوين اخبار حركتها نسمات الذاكرة التي تأبى أن تهدأ ..
ينمو احتياج حقيقي للمنفي والغريب بفهم أدق مشاعره وأرهفها .. بمعاصرتها والاعتراف بوجوديتها كي لا تنسى .. ولا ينسى ..

"المسألة ليست في التعلق الرومانسي بالمكان، بل في الحرمان الأبدي منه"


أن تكون منزوعا من جذورك ، غير قادر على العودة الا لوطن رسمته داخلك .. تتلمس ما ترسمه انت لملئ الفجوات المختلفة التي تحدثا رصاصات الزمن .. انت في رحلة بين معالمه ومعالمك اللذان تشابها ثم تداخلا .. فلم تعد ترى الحدود .. انت وطنك الذي تحمله .. بنقصانكما وتكاملكما معا .. بخجلك امام ضعفك وتشوهات القوى السياسية التي غيرت معالمه ..

"كيف تنعس أمة بأكملها؟ كيف غفلنا إلى ذلك الحدّ؟ إلى هذا الحدّ بحيث أصبح وطننا وطنهم؟"
"وغياب العدالة منفى، والتنميط منفى، وسوء الفهم منفى.."
"جيل قد يسمم حياة أهله دفاعا عن حريته الشخصية لكنه لا يدري ماذا يفعل بهذه الحرية، ولا لماذا يريدها بالتحديد"


في هذا الكتاب تستطيع ان تتلمس من وجهة نظر فردية .. تحولت بشكل ما الى وعي جمعي .. تحليلا سياسيا لتأثير الاحداث .. وأسباب وصول الحال الى ما وصل اليه .. من غياب المرافبة الذاتية .. ومطامع دول سيادية .. بين الامل الذي يحرق أمام عينيك .. وتخليك عن بعضه الآخر .. بين قدرة احتلال على تشويه نظرتك الى قدراتك الانسانية .. ودفعك الى التمسك بعناد اعمى عن ذاكرة لم تعاصر منها سوى الرواة .. محاولة لتتبع الخيوط التي حولت القضية الفلسطينية .. وحق الافراد .. الى خبر يتابعه البعض بغضب وعنف آني .. والبعض الاخر الذي يعتبره جزءا مكررا في نشرات الاخبار اليومية ..

"ماما أنا في القدس. أنا في باب العمود. أنا وبابا في القدس."


كانت ذروة المتعة في قراءة الكتاب .. أن ترى كيف غرست الرائعة "رضوى عاشور" في ابنها "تميم " انتماءا لوطن لم يراه .. ولأب لم يعاصره الا في مناسبات متفرقة في سنين بداياته الأولى .. كيف أن الأم هي الحقيقة المتجلية في رسم ابعاد رجال ترى ابعد من الشمس .. كيف ان الحب يلقن على طاولات العشاء الفردية .. وكيف أن الوطن يخرج من أبعاده الجغرافية ليتجلى في أفراد .. كيف ان تكون "مصريته" .. لا تقل عن "فلسطينتيه" .. ولا تسبب له تناقضا .. قصيدة تميم البرغوثي "قالولي بتحب مصر قلت مش عارف" .. تأكيد حي على هذه الحقيقة ..

"رسالتك الفلسطينية يا رضوى، وصلت"

أحلم بكتاب مريد البرغوثي النثري الجديد .. ولحظات حقيقية من التجلي ..


View all my reviews

No comments: