Sunday, June 4, 2017

Review: أثقل من رضوى: مقاطع من سيرة ذاتية

أثقل من رضوى: مقاطع من سيرة ذاتية أثقل من رضوى: مقاطع من سيرة ذاتية by Radwa Ashour
My rating: 4 of 5 stars

"إنّ كلّ كتاباتي الروائية محاولة للتعامل مع الهزيمة" " الكتابة محاولة لاستعادة إرادة منفية "
رضوى عاشور – أثقل من رضوى ..

كتابها الذي ينقل الثورة بصورتها الإنسانية وتفاصيلها الصغيرة التي لا يعرف كل منا إلا جزءا صغيرا .. إما من وسائل إلاعلام .. أو من عاصرها حقيقة .. مضفيا البعد الإنساني الحقيقيّ الذي يتجاهله التاريخ عادة ..
السيّدة رضوى .. لا أدري لم يتبادر إلى ذهني ( بعد قرائتي لهذا الكتاب) الفكرة التي قد تدور في ذهنها بعد مناداتي لها ب"السيّدة " .. التقدير الشديد على احترامي لها مصحوبا بالخجل ، استفسار داخلي عن سبب مناداتي لها بالسيّدة وليس بالدكتورة ( كما يفعل الغالبية) .. وشعور إضافي بدرجة استحقاقها لهذه الكلمة التي تحمل أبعادا في اللغة العربية تتجاوز تأنيث واحترام سيدة بلغت من العمر أن تدعى بسيدة ..
رغم أن محاولتي ستبدو ساذجة لوصف شخصية لم التق بها إلا عبر صفحات الكتب وبعض المقإلات .. ولكنها تتحول بشكل ما إلى مربية فاضلة تعرف كيف توجهك في اعادة قولبة حياتك ووضع ما يهم أخلاقيا في قطب تتحرك حوله الأشياء الأخرى (وليس مركزا .. فتعدد إلاقطاب لا يلغي مركزيتها حول ما تدور حوله) .. تحمل بين طياتها الأنوثة والرقي .. الأدب والتربية ودقة العلم.. الأم والإنسانة ..
السيّدة رضوى في كتابها هذا تنقلنا عبر مشاهد مقتطفة من حياتها الشخصية – التي أعلنت عدة مرات خلال الكتاب أنها لا تنفصل عما يحدث حولها – بل هي نتاج عمّ كان وما يحدث الآن وما سيكون .. انتقالها بين أحداث مختلفة ومشاهد من ماض عاصرته .. وتحليلها إياه في مشهد معاصر .. يعلمنا كيف نقرأ ذكرياتنا وما نقرأ بحرص عن أنفسنا .. وفي نفس الوقت .. يمدنا برؤية أوسع لفهم ما نراه في الصغار الذين نراهم الآن .. نقرأ مواهبهم التي تبدو ك "عفرته" .. ونفهم احتمالات مستقبلهم التي تبدو ك "شقاوة" ..
تسير بنا السيّدة عبر كتابها بين حالتها الصحية التي بدأت تتغير، ضمن مسرح مرسوم من أحداث الثورة المصرية من بداياتها إلى تاريخ إنهاء الكتاب في مايو – أيار- 2013 .. تنتقل بنا عبر أزمنة مختلفة وأحداث على الصعيد الشخصي أو الأممي ( اذ انتقلت بالذاكرة عبر أحداث مختلفة في بلدان عربية مختلفة أيضا) ، وتأثيرها على المخزون الفكري الذي امتلأت به .. عن تفاقم حجم إلانتهاكات .. محاولات التصدي الجمعية التي لم تعد تظهر في ظلام الأيام .. وتحليل لمشهد سياسي بعينين قارئتين تنقبان عن أثار للأمل .. كلّه بعفوية فيّاضة ودقّة علميّة مثيرة للإعجاب .. أجل أعرف أنها حائزة على شهادة الدكتوراة .. ولكن كم يملكها من الأفراد من غير استحقاق .. أتكلم هنا على الوسع في المعرفة .. وتجاوز الحالة الأحادية في الفهم لمجال ما .. بل امتداد هذا الفهم إلى علوم اخرى .. وإسقاط فريد من نوعه على أبعاد مختلفة من الإبداع الإنساني .. يتجلى ذلك بشكل واضح من خلال شرح رحلاتها الفكرية للوحات مختلفة – والتي طالبتنا في الكتاب ان نبحث عنها – ومقارنتها بما تراه بشكل يومي في الشوراع المصرية ايام الثورة .. لتشد انتباهنا اننا نعاصر - ما سيعتبر يوما ما - ذروة الإبداع في سنة معينة .. وما حملته من معان مرتبطة بفكر جمعي – أو فردي بعض الأحيان – وكيف بني على أحداث متراكمة وأصول تاريخية واجتماعية مختلفة ..
" ما يشغلني هو تأمل دفق الحياة من زمن إلى زمن، ومن جيل إلى جيل تال، يهدر بقانونه الخاص، ويكتسب صفاء وقوّة كلما حرص على استقلاله"
رضوى عاشور – أثقل من رضوى ..

لا اعتقد اني فهمت أبعاد اهمية الثورة التونسية حقا إلا بعد قرائتي لوصف الحالة الذي قامت به عن الأحداث الأولية للثورة .. وجملة " لأننا هرمنا" "هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية" .. ويستيقظ سؤال صامت من سباته داخلي .. ما الذي سنهرم من أجله نحن .. ما هي اللحظة التاريخية التي سنقف عندها لنكرر عبارة الرجل الأشيب .. ما الذي نحمله داخلنا ونسير به الآن ..؟
- ملحوظة لنفسي : سأسألك عن الثورة التونسية عندما نلتقي .. أريد أن أراها في عينيك ولا أريد ان اقرأها ككلمات مجوّفة ..-
حوّلت السيّدة رضوى كلا من تميم البرغوثي ومريد البرغوثي ..من الشاعرين والأديبين ورموز لقضايا وجدانية الى تجربة انسانية غير مستحيلة – لتملأنا بالأمل مرة أخرى - .. إلى الابن والزوج .. أعادت رسم صورتهما بالنسبة إلى قرّاء مثلي .. إلى شخصيات حقيقية تحاول ان تخرج ما امتلأت به من ثقافات الغربة والنفي والفقد والعلم والشعر والأدب .. إلى ابن ووالده قلقان على الأم والزوجة المتمثّلتين في شخصية السيّدة رضوى .. أعادت إليهما البعد الإنساني الذي يحرم منه الأبطال والشعراء وكلّ من حمل شعلة قضيّة .. إلى ما يجعلهم أقرب إلى كل فرد مننا .. يحمل الخوف ويجابه قرارات ومواقف صعبة .. يقف في كثير من الأحيان منتظرا تدخلا إلهيا ليخفف عنه ثقل اللحظة ..
"لكنّ بعض الشعر والموسيقى يأتي إلينا محمّلا لا بالفنّ وحده بل بتاريخنا الخاص والمشترك، وذاكرتنا وذكرياتنا، فنحبّه لأننا نألفه ولأنّه منّا."
رضوى عاشور – أثقل من رضوى ..

تتحدث السيّدة رضوى عن القاهرة التي ألفتها .. أنا الفتاة السورية التي امتلأت بمصر إلى حد الثمالة واعتقدت بأني أجدت لهجتها العربية وفهمت حقيقة وقوّة شعرها العامي وثقافة عربية الفول والانتظار اللانهائي في المواصلات .. تذكرني بالحقيقة حين تعود بي وتبرز حنيني القاتل إلى كل ما مثلته ... إلى مصر لم اعرفها .. لم أكن ايام الثورة آنذاك .. ولا الأيام التي وصفتها بدقة وتفرد عال .. ليس سجلا تاريخيا فقط .. بل حوار بين النفس والحدث التاريخي الذي تعاصره .. فشعرت اني لم – ولن- أفهم الحقيقة كاملة .. وأن الفسيفساء أعقد مما تبدو عليه .. وأن الزيارة واجبة وحقّ مشروع .. واحتياج لن أتنازل عنه ..
قرأت اسماء الكثيرين من الشهداء والأفراد الذين شكّلوا لحظات ذروة في تلك الفترة .. بحثت عنهم .. وألفت صورهم .. تنقل السيّدة أيضا حروبا قام بها أساتذة في الجامعة .. أصدقاء وزملاء لها .. طلاب لها .. وأفراد آخرون رسمت صورهم دون أن تعرف اسمائهم .. نقلت صورة أصرّت أن نكمل فراغاتها بالبحث .. وذلك كلّه عبر مونولج داخلي عالي الصوت احيانا .. ممتلئ ومشحون بالتوتّر .. وباحث عن منافذ الضوء المبهمة ..
".. هي محاولة، على ما أظنّ، لغربلة الأمور داخلي وإيجاد حل لكيفية التعامل مع سيل من الأحداث أقف أمامه متسائلة إن كانت محاولة مواكبته لا تخلو من حكمة أم هي ضرب من الحماقة والجنون"
رضوى عاشور – أثقل من رضوى ..

وصفها للوحات بيكاسو وسيكروس .. انتقالها بين عدد من الفنانين العرب سوريين ومصريين وفلسطينين وعراقيين .. أسامي الشعراء والكتّاب في هذا الكتاب .. مدخل إلى عالم مختلف لم أكن على دراية بقوة فنهم والرسالة التي ينقلونها إلى أن رأيتهم بعينيّ السيّدة .. كلّ الأسامي هذه دونتها ومازلت أبحث عنها .. كنوع من العرفان بالجميل والخجل بضيق المعرفة والثقافة ..
كي لا نُنسى .. يجب ألا نَنسى ..
لوحة بيكاسو "غيرونيكا" . وسيكروس "لا اميريكا تروبيكال" . وربطهم مع الجرافيتي المصري الذي انتشر أيام الثورة .. يحتّم علينا ألا نغمض أعيننا، نحن نعاصر لحظات تغير تاريخية في فن أممي مرتبط بعمق مع حالة الشعوب .. أعتقد ان وصفها لحالة حامل الجريد الذي رأى جرافيتي يشبهه .. تبعث في النفس سؤالا خجلا عن الجريد الذي نحمله نحن ..
"لم يكن الجرافيتي مجرد فعل مواكب للثورة يعبر عن مطالبها ويوثق يومياتها وحوليّاتها في مسار مواز فحسب، بل كان جزءا من مجراها" رضوى عاشور – أثقل من رضوى ..

عن نقلها لإحدى الجمل التي كتبها محمد أبو الغيط في مدونته عن أحد الشباب واسمه "يحيى" صورة لا أدري إن كانت تحمل وعيا آنيا .. أم فهما للمسؤولية يفوق ما ندعوه بالـ"التعلم" .. أم – لسذاجتي- محض مصادفة ..
"دون ان يدري قال يحيى بالحرف ما قاله آخر بنفس ظروفه لفتاة أصرّ على سحبها بعيدا عن موقع المواجهات:" إنت شكلك بنت ناس ومتعلمة، خلّونا إحنا الفقرا نموت عشان لما الدنيا تهدى يفضل المتعلمين اللي يقدروا يفيدو البلد"
محمد ابو الغيط نقلا من مدونته رضوى عاشور – أثقل من رضوى ..

من رثاء تميم البرغوثي لمحمود درويش .. مرتجلا .. ومترجما لحياته وهدفها .. " .. فالأوطان تؤسس في الخيال قبل أن تؤسس في الحقيقة .. لا يكون الناس شعبا .. إلا إذ تكونت في بالهم وخيالهم صورة عن أنفسهم وسعوا سعيّا أن يكوّنوها .. وهذه الصورة ينشئها الشعراء إنشاء، ينشئها المثّالون والرسّامون والمؤرّخون والشهداء .. "
رضوى عاشور – أثقل من رضوى

السيّدة رضوى .. تلك المربيّة الفاضلة .. تلقي بكلمات ملأت بها "سلالها من الأمل " – كما تسميهم- خلال الكتاب .. من أوقعها بالنسبة لي : الحوار الذي قام به تميم مع الدكتور دافيسون الذي كان مسؤولا عن احد عملياتها الجراحية ..
" فعاجله تميم بالسؤال : ماذا إن لم تنجح المحاولة فرد عليه دافيسون: عليّ أن أفكر في حلّ، أليس كذلك؟! "
رضوى عاشور – أثقل من رضوى ..
والثاني في ذيل الكتاب :
" .. استحضر المشهد حين يراودني اليأس، أقول لنفسي: لا يصّح ولا يجوز لأنني من حزب النمل. من حزب قشّة الغريق، أتشبث بها ولا أفلتها أبدا من يدي."
رضوى عاشور – أثقل من رضوى ..

الذاكرة التي لا يحقّ لأحد أن يهمّشها .. والأحداث التي لا يجوز للتاريخ أن يغفلها .. حماة وحرّاس .. السيّدة رضوى عاشور تنتمي الى حزبهم ..


View all my reviews