Saturday, July 30, 2016

طوق الياسمين - واسيني الأعرج



للكتاب ابعاد كثيرة .. ربما ما شدني اليه .. ذكريات شخصية قديمة لا تزال تعنفني من وراء سجن النسيان الذي اقحمتهم فيه .. أرض القصة في دمشق التي تنزف ياسمينا .. ام انها مجموعة من الاحزان الملتهبة المرمية على ورق ..
يحمل الكتاب تعبيرات رقيقة .. تصف حالة اربعة عشاق ملتاعين .. يائيسن .. انهكتهم مشاعرهم .. فعاشوا في عالم من الالم .. لم يقووا على الرحيل منه .. وكلما حاولوا الابتعاد عنه .. ردم طريق الخروج .. واسدل ستائر الليل الذي لا ينتهي ..
يشابه الكتاب اختلاجات رجل يحتضر .. مليء بالحزن ومرارة تذكر لحظات سعادة .. افكار تائهة لتعبرعن توهان فكري غير معلق سوى بفكرة الم الفقدان .. ربما لكثير من القراء قد تكون الحالة ممتعة .. ولكنها أحادية الجانب .. منقوصة .. .. كخيوط شبكة عنكبوت تبدو انها كانت ستكون مشروعا ناجحا .. لو لم تضع العنكبوتة غرزة هنا وغرزة هناك .. فتهالكت وتهاوت .. النسج الادبي كان مرتبكا .. كطفل مذعور مليء بالامكانيات .. ونسي ما هو الهدف من وقوفه اليوم ..
الادب هنا رحلة في "ذاكرة مرقعة" قماشة جميلة جدا .. رقعت بقطع غير متناسبة الالوان لتملأ فراغات الذاكرة .. فسرقت منها تناسقها .. التفاصيل الحميمة في القصة ( في معظم الاحيان) لم تكن سوى ملئ تجاويف علّها تسترنا أمام الناس ..
هذا اول كتاب أقراه للكاتب .. لا انفي حقا براعته في الجمل الوصفية القصيرة .. التي انقذت الكتاب في مواضع كثر .. ووصف الحوار النفسي الداخلي .. لم يرق لي الاستخدام المختلط بين العامية السورية واللغة العربية الفصحى في كثير من المحادثات - كانت تقطع المتعة في الحكاية .. ولكن كل ذلك لا ينفي رهافة الاحساس وصراخ الالم النابع من صرخات قلب يحترق ..
"ألم يكن بإمكانك أن تحافظ عليّ من التلف"
اعتقد ان هذا الكتاب يوضح بقوة مقدرة الكاتب اللغوية على رسم صورة بصرية بالكلمات .. ولكن الحكاية كانت اضعف .. وتحتاج الى حبكة درامية اقوى ..
ربما ساعود الى الكتاب مرة اخرى .. واغير رأيي .. ( تختلف ارائنا باختلاف حالاتنا النفسية) .. ولكني اعتقد ان الكاتب لديه اكثر من ذلك .. ولم يلق بكل دلوه بعد ..

رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان



أعتقد انني سأعيد قراءة هذا الكتاب أكثر من مرة ..
اولا .. الشكر لغادة .. التي قررت ان تتجاهل كل القوانين والاعراف المعلنة واللامعلنة، وتتحمل هذا القدر من النقد والتخوين.. لتلقي الظل على الجانب الانساني من الرجل الرمز .. ان تعيد بعض التوازن .. وتعيد تشكيل انسانية الرجل بعد ان جرد وتحول الى قيمة أحادية الجانب .. محاولة بذلك ان تشفي الكثير من الرجال الذين امنوا بالوطن .. واعتقدوا بأن التزامهم بوطن وقضيه .. يحرمهم الحق بأن يراعوا انسانيتهم .. أجمل ما في الوطن .. أنه محتوى انساني .. تمارس فيه انت كمواطن .. حقوقك كلها .. ان تغضب وتحب وتثور وتجن .. ان تنتمي وترفض ما لا يعجبك .. وان تغرق في عشق ذلك الوطن الى الثمالة .. واجمل ما في رموز الوطن .. ان يمنحوا لأنفسهم الحق بأن يمارسوا كل هذا .. لأن الانتماء هو ليس قضية مرسومة بحدود جغرافيه .. هو مساحة ما بين ذكريات كانت .. وما قد سيكون .. بصورة تشبه كل فرد بحد ذاته ..

ثانيا ..

الرسائل نفسها .. ترسلك الى بعد لا يعرفه الا من يفهم اللغة العربية بقلبه قبل عينيه وخزونه الأدبي.. هي تصف عالما حقيقيا كان يعيش فيه غسان .. وانتماءه لكل قضيه يؤمن بها .. بل هي تعكس أكثر وأكثر .. وطنيته .. فمهما غير من موطنه ستبقى فلسطين "الوطن" .. ومهما بدل من نساء ستبقى غادة " الوطن" ..
لن استطيع ان أصف الرسائل بأقل من أنها " شحنة عاطفيه مفرغة لروح رجل مشى على هذه الأرض يوما " في سطور .. تختلج وتنبض الى اليوم .. واعتقد الى الأبد .. كأنما أذيبت الروح في كل حرف .. هي تعيد الحق للرجل الرمز .. الحق بامتلاك انسانيته وضعفها .. وجمال هشاشتها .. وصبرها .. والحلم الذي يتغلغل في كل ثناياك .. والذي .. ان كنت مناضلا شجاعا مثل غسان.. يدفعك الى الاحتراق أمام الشمس .. من أجل قضية أكبر من الحب .. الحب الذي يحمله غسان ليس مجزءا على الوطن .. والعائله .. والاولاد والأدب .. الحب الذي يحمله فيض يغمر كل شيء .. يختلط بكل شيء ..
يقوده ويدفعه الى أن يثري وجدان الأدب العربي .. بأن أحلامنا تستحق الدفاع عنها .. تستحق أن تصدر منا الآهات عندما تسحق .. وتستحق أن نرتمي أمامها بكل خنوع .. فمن نحن من دون حلم يسري في وجداننا .. حلم نموت دونه .. أو يتحقق ..
إيمان غسان بأحلامه .. يعزز قيمته "كرمز للصمود والنضال" .. روحة المنفيه من كل ما شابه الوطن في عينيه .. لم تساوم .. لم تختبأ .. بل أخلصت الى الأبد .. وكانت هذه الرسائل .. هي الحكاية التي لم تنشر الى بعد حين .. عن اخلاص من نوع مختلف .. لا يسيء الى صورته كشهيد .. بل يحولها من ذكرى .. الى ايقاع تنطلق وراءه الحشود ..

وأخيرا ..

توقفوا عن تجريد الانسانيه بتحويلها الى قيم مطلقه .. عندها .. وفقط عندها .. سنعيد لهذا الكون جزءا من حقيقته التي شوهها الساديون .. وربما .. يوما ما .. لون انسانيته ..